مدريد

 

 

مقابلة في مدريد مع جميلة شرودر

من قبل أهم المداخل الإسلامية في إسبانية - خونتا إسلاميكا

 

http://www.لقاء مع جميلة شرودر في مدريد من قبل خونتا اسلاميكا / ويب اسلام / webislam.com

مديرة المقابلة: مريم اورخيدو

الفاضلة جميلة ، شكرا لك للإتاحة لنا الفرصة ، لمعرفة كيفية وصولك إلي الحركة الروحية للنظام العائلي؟

كانت وظيفتي الأصلية الهندسة المعمارية، ولكن وكما أراد القدر ، توفيّ أخي المتوسط في 2001 وقد تملكني الحزن الكبير بعد وفاته ، حيث أنني لم أستطع الاهتمام بزوجي وأبنائي، الذين كانوا في ذلك الوقت صغار السن، وحتى أنني لم استطع رؤيتهم أو الإحساس بهم بوعي وإدراك. وقد قمت بأساليب عديدة في علاج النفس للتخلص من الحزن والكآبة اللذان امتلكاني، دون جدوى. ثم حاولت بطريقة العلاج النفس المعتاد، ولكنني لم أستفد من كل هذه الطرق أيضا.

وفي يوم ما، جاءت إحدى صديقاتي و حدثتني عن طريقة جديدة اسمها (الوقوف العائلي حسب بيرت هيلنجر) ... كان هذا بالنسبة لي جديد جدا.

قد ذهبنا سويا إلي المكتبة واشترينا كتابان عن الوقوف العائلي. الأول: كتاب نظام الحب، والثاني: كتاب الاعتراف بالشيء كما هو.

عندما بدأت بقراءة كتاب نظام الحب، بدأت تفهم الحياة والرابطة بين أفراد العائلة مع بعضهم البعض، وبدأت أفهم أساسيات تكوين النظام العائلي وكيف يتم خدش وجرح هذا النظام من أفراد العائلة نفسها ، والحب الذي يربطهم مع بعضهم. ثم بدأت أفهم بأن بعض أنواع الحب العائلي يسبب في كثير من الحالات كارثة ودراما.

وفي خلال قراءتي للكتاب، كنت من حين إلي آخر أترجم بعض السطور في داخل رأسي لأخي إلي اللغة العربية، ثم أتابع بعدها القراءة.

قد انتظرت طويلا وفاض صبري، حتى استطعت التسجيل لورشة عمل حسب طريقة بيرت هيلنجر. وهكذا استطعت التغلب علي الحزن الذي كنت أعاني منه بسبب موت أخي بجلسة واحدة فقط .

وبعد هذه اللحظة لم أجد الهدوء النفسي وراحة البال. فقد تولدت الرغبة الملحة في داخل نفسي بعد المشاركة بورشة العمل هذه، لتعلم هذه الطريقة. وبدأت بالبحث عن مكان مناسب لي للبدء بهذه الدراسة. فوجدت أخيرا وبالقرب من مكان إقامتي معهدا يقدم هذه الدورات الدراسية.

حتى هذه اللحظة لم أكن أعرف بيرت هيلنجر شخصيا. وفي سنة 2004 أتيحت لي الفرصة للتعرف عليه. قد بادلت معه الحديث، وسألته إن كان يسمح لي بترجمة كتابه الأول (نظام الحب) إلي اللغة العربية. فوافق دون تردد. وبعد هذه اللحظة لم يكن لي التراجع عن هذا العمل.

 
نحن نعلم بأنك تعرفين الدكتور بيرت هيلنجر عن قرب، وأنك قمت بترجمة كتبة وأعماله إلي اللغة العربية، هل من الممكن أن تحدثينا وأن توصفي لنا بعض الشيء عنه؟

إن صدره ممتلئ برقة الإحساس والحنان. عندما تعرفت عليه وصادفته لأول مرة، لاحظت بأنه، عندما يخاطب أشخاص آخرين ينظر إليهم بانتباه خاص. إنه يرى ويقدر جميع البشر كل كما هو. جميع الناس بالنسبة له متساوون ولا يفرق بينهم مهما كان المستوي الاجتماعي أو الطبقة الاجتماعية التي يأتون منها. لا يوجد أحد أفضل من غيره.

موقفه الأساسي هذا يتطابق مع علمه، لأنه يقول: (كل إنسان له الحق الكامل للحياة) ثم يقول: (كل له الحق الكامل إلي الانتماء لعائلته، حتى الأموات منهم) ثم يقول: (يجب احترام وتقدير قدر كل إنسان، حتى ولو لم يكن هذا القدر جيدا. مثال علي ذلك: الجاني والمجرم والقاتل، فهؤلاء لا يملكون قدرا جيدا) ورغم ذلك يجب تقديرهم.

بيرت هيلنجر هو إنسان متواضع باستمرار ويحرص بانتباه تام أمام الغير، بعدم جرحهم أو خدش كرامتهم أو تحرش أحد ضد آخر.

قد راقبته عندما كنت معه في الأردن، حيث كان يحرص وبانتباه كبير بتعامله مع الحضور في الحلقة الدراسية. فقد عاملهم جميعهم بتساوي ودون التفريق بين المستوى الاجتماعي الذين يأتون منه.

ما هو مفهومك " للحركة النفسية أو الحركة الذهنية" ؟

حركة النفس أو الحركة الذهنية: هي الحركة التي تحرك من قوى كبيرة قوية وعظيمة أقوى وأعظم منا، هذه القوى تستطيع تحريك كل شيء هكذا كما هو. ونحن البشر علينا تقدير هذه القوى والاعتراف بها. أي علينا تقدير قدرنا كما هو وتقدير أقدار غيرنا كما هو أيضا. بغض النظر إذا كان قدرنا و قدر غيرنا جيدا أم سيئا . ويمكننا القول بأن هذه القوة القدرية القوية ، التي تحرك كل شيء كما هو، هي قوى اللاهية وإرادة ربانية.

 

قولي لنا شيئا عن الوضع الاجتماعي لهؤلاء الذين يتلقون هذا النوع من العلاج ؟

معظم العملاء الذين يأتون إلي عندي هم من عائلات متعلمة جدا. فهم علي سبيل المثال. قضاة، محامين، أطباء للجسد وأطباء النفس، والأخصائيون الاجتماعيون والمعلمين والمهنيين والمديرين التنفيذيين والطلاب.

 

ما مفهومك أو ماذا يعني بالنسبة لك مفهوم كلمة "الشفاء" ؟

معني الشفاء بالنسبة لي هو: بأن كل من كان منفصلا عن الآخر يأتيان معا و يتم اتحادهما. كل من كان منسيا أو مكبوتا أو محتقرا أو مهانا، يصبح معترف به فينال التقدير ويسمح له باللواء والانتماء العائلي.

مثال علي ذلك: إحدى عميلاتي كانت تعاني من ألم في رأسها. ومن حين إلي آخر كانت تعاني من ضعف في جسدها، لدرجة أنها لم تستطع غسل وجهها أو جسدها في الصباح، ولم تكن تملك القدرة لعمل أي شيء خلال النهار من شدة الضعف الجسدي الذي كان يمتلكها. وعندما قمت لها بالوقوف العائلي: قمت بإيقاف نائبة عنها ومقابل لها نائبة للضعف التي كانت تعاني منه. نائبتها أصبحت تعاني من ألم في رأسها ثم بدأت بالبكاء بصوت عالي. و بدأت بالابتعاد عن نائبة الضعف، ثم بدأن بعد فترة بالاقتراب شيئا فشيئا من بعضهما حتى أنهن في النهاية، توصلن إلي الحد الذي جعلهن يقتربن وجها إلي وجه ثم مدين أيديهما إلي بعضهن حتى لامست أيديهما بعضهن.

أنا قلت لها: "هذه شقيقة لك قد قيم بإجهاضها وهي تبحث لنفسها عن ملجأ عندك، حتى يتم بالاعتراف بها وسمح لها الانتماء العائلي". فقالت: " نعم هكذا شعرت أنا أيضا".

وبعد يوم واحد اتصلت بي وقالت: بأن ألم رأسها تحرك اتجاه قلبها، وهي شعرت بالراحة خلال هذه الحركة.

هل من وجهة نظرك كمعالجة نفسية ، بإمكانية أن يصبح العالم أفضل في تعامل الناس مع بعضهم البعض؟

نعم وبكل تأكيد. لأن علم بيرت هيلنجر يتجاوز علم النفس المعتاد. في علم النفس المعتاد، ينظر المعالج في العادة علي العميل دون أن يضم محيطة معه. فيزيد من مشاعره، حتى ولو كان هذا العميل يسير في الطريق الخطأ.

مثال علي ذلك: جاء عميل إليّ وكان يحمل هما ثقيلا. حدثني بأنه قد انفصل عن زوجته. وعندما سألته لماذا انفصلت عنها؟ أجاب: " زوجتي انفصلت عني وتركتني، لأن التحليل النفسي للمعالجة النفسية، أظهر لها، بأنها يجب أن تنفصل عن زوجها". هذا طبعا يتعارض مع علم بيرت هيلنجر. لأنه لا ينظر إلي العميل وحده، بل هو ينظر إلي جميع أفراد النظام العائلي، وخاصة ينظر إلي المحرومون من الانتماء العائلي. فمثلا ربما تكون الجدة، التي قد توفيت عند ولادة أحد أبنائها. المحرومون من الانتماء لهم أكبر تأثير علي أفراد العائلة. ثم هو يشير ويضم وينظر إلي الأحداث السياسية والاجتماعية في البلد أيضا.

مثلا الحرب العالمية الثانية في أوروبا. والديناميكية الذي خلفته الحرب ما زال له تأثير كبير علي أفراد كثير من العائلات التابعين.

إذا قام كثير من الناس بتفهم ودراسة علم هيلنجر، فبذلك تصبح أفكارنا أوسع. فلا ننسب كل شيء إلي أنفسنا بقول أنا وأنا ، بل يصبح تفكيرنا أوسع ويضم الكل، فيصبح عالمي. فنحن عندئذ نشعر بارتباطنا مع الكل ومع جميع البشر.

ونحن عندئذ سنستوعب ، بأننا في حالة أننا قمنا بعمل سيئ ، أو إذا قمنا بقتل أحد، فنحن بعد الفعل لن نظل أحرارا. لأن رابطتنا مع الشخص الذي قمنا بقتله ، تصبح أقوى رابطة نرتبط بها ، فهي أقوى من رابطتنا مع أفراد عائلتنا. وفي الحقيقة إذا قام أحد بقتل أحد آخر، فإن روح القاتل تموت في اللحظة نفسها مع المقتول. ولكن بعض إرهابيون الحرب يستطيعون كبت أفعالهم جيدا. في هذه الحالة فأحد الأفراد اللاحقين يحمل ذنب الفعل علي نفسه ويعاني هو بدلا عن الفاعل، والفاعل يكون في الغالب الوالد أو الجد، أو أحد أفراد العائلة الآخرين.

 

هل شعرت بأن هناك تغير في تصرفاتك وفي داخل قلبك خلال خوضك في هذه العملية؟

نعم، أنا أصبحت إنسان آخر، فقد تغيرت تغيرا كاملا وتفكيري قد تغير تغيرا جذريا.

أنا أصبحت أنظر فقط بحب اتجاه الآخرين.

أنا أصبحت أحترم وأقدر جميع البشر بمختلف الديانات التي يتبعونها.

أنا أصبحت أعيش بزهد وتواضع.

أنا لا اصدر الحكم الحاد اتجاه الآخرين، لأنني أعلم ، بأن هؤلاء ، ما داموا معلقين في الاشتباك العائلي، فهم مجبرون ودون إرادتهم علي التصرفات التي يقومون بها، وليس بمحض إرادتهم. كذلك المجرمون

والإرهابيون فهم مقيدون في اشتباكهم. فهم يتصرفون بحب اتجاه أحد الأشخاص من أفراد عائلتهم. لذلك أنا لا أفرق بين العمل الجيد والعمل السيئ ، لأن الأشخاص الذين يقومون بعمل سيئ ، فإن تصرفهم هذا ينبع من اشتباكهم العائلي المرتبط بالحب أو بمعني آخر: لإنقاذ أحد الأفراد (الذين هم يحبونه) من تحمل الذنب.

 

ما هي نظرتك وأمنية قلبك المستقبلية اتجاه العالم ؟

نعم، نظرتي للمستقبل وأمنية قلبي ، بأن أستطيع إيصال علم بيرت هيلنجر إلي قلوب البشر في العالم العربي وتوضيح القواعد الأساسية والأصلية للوقوف العائلي حسب طريقة بيرت هيلنجر.

والديّ كانوا لاجئين من فلسطين. عندما كنت صغيرة قد تعايشت كيف كانوا ينتظرون بفارغ الصبر رجوعهما إلي البلاد والأرض وإلي بيتهما، حتى جاءهما الموت. ليس فقط والديّ، بل كثير من اللاجئين الفلسطينيون كانوا في انتظار حل سياسي لقضيتهم، أو حل سلمي لقضيتهم، وأغلب هؤلاء قد ماتوا قبل عودتهم إلي ديارهم.

ولكن حسب علم بيرت هيلنجر فان السلام لا يأتي من الخارج، بل من الداخل، أي من داخل القلب ومن داخل النفس. السلام يأتي من الفرد المفرد. في اللحظة نفسها عندما يبدأ الفلسطينيون واليهود بالبكاء علي أمواتهم معا، ويشاركون بعضهم البعض بالحزن الذي سببه كل منهم للآخر، عندئذ ينتهي الحقد والرغبة في الانتقام. لأن " السلام يبدأ في النفس" كما يقول بيرت هيلنجر.

أمنيتي هو خلق تفكير جديد في المجتمع. "الوقوف العائلي" وهو علم بيرت هيلنجر يصلح لكل إنسان، ولا يمكن حصره فقط في أيادي نخبة قليلة من المعالجين النفسيين.

كلما زاد عدد الأشخاص الذين يتفهمون الارتباطات العائلية، كلما زاد تقديرهم لبعضهم البعض، وبذلك يصبح ممكنا لنا أن نعيش في عالم باختلاف.

علي سبيل المثال: إذا استوعب المفجرين الانتحاريين، بأنهم هم وأفراد عائلتهم سيرتبطون مع الأشخاص الذين قاموا بقتلهم ، برابطة أقوى وأعمق من رابطتهم مع أفراد عائلتهم ورابطتهم مع أفراد سعب بلادهم، فإنهم ربما يتنازلون عن هذا الفعل.

هذا النوع من الوعي النفسي والإنساني الجديد لا يتم في يوم واحد أو في لحظات أو من يوم ليوم، بل من جيل إلي جيل تابع له، هنا يتم تغير الوعي الداخلي للإنسان ويصبح تفكيره أوسع، وبذلك يسمح لتكوين تفكير جديد في مجتمع جديد متسامح

مريم اورخيدو: شكرا لك سيدة جميلة شرودر لهذا اللقاء

 

.